وتيرة إدارة ترامب غير المتوقعة في سحب القوات الأمريكية من القواعد العراقية فاجأت المراقبين الإقليميين. بدلاً من الالتزام بالجدول الزمني المعلن علنًا في سبتمبر 2025 لإنهاء العمليات في محافظات العراق الفيدرالي، تسارع الانسحاب بشكل كبير في أواخر أغسطس، مما دفع المسؤولين العسكريين العراقيين للتعبير عن دهشتهم من السرعة. هذا التسارع يثير أسئلة حاسمة حول ما الذي يدفع واشنطن للتحول في التزامها العسكري تجاه العراق—وما الذي سيأتي بعد ذلك للقوات الأمريكية التي لا تزال متمركزة في جميع أنحاء البلاد.
إطار الانتقال ذو المرحلتين
تتبع الوجود العسكري الأمريكي في العراق خطة انتقال من مرحلتين أُعلنت في سبتمبر 2024. المرحلة الأولى، التي اكتملت قبل الموعد المحدد، تضمنت الانسحاب من قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة فيكتوريا في بغداد. المرحلة الثانية تمتد حتى سبتمبر 2026، وتشمل توسيع الوجود الأمريكي في إقليم كردستان المستقل، حيث يهدف المستشارون الأمريكيون إلى الحفاظ على عمليات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية التي تمتد إلى سوريا المجاورة.
ومع ذلك، يعتقد العديد من المحللين أن الجدول الزمني العام يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا حول مدة بقاء القوات الأمريكية فعليًا. محمد أ. صالح، محلل كبير يتابع السياسات العسكرية، يقترح أن موعد سبتمبر 2026 يمثل “انتقالًا علنيًا كاملًا” قد لا يتحقق بشكل كامل. بدلاً من ذلك، قد تستمر القوات المتبقية تحت مسميات عملياتية مختلفة، خاصة المدربين والمستشارين الذين يخرجون عن حسابات الانسحاب الرسمية.
الحساب السياسي: أولويات ترامب المتغيرة
فهم هذا الجدول الزمني المسرع يتطلب فحص السياسة الداخلية الأمريكية. لقد خاضت إدارة ترامب حملات مستمرة لإنهاء ما تصفه بـ"حروب لا نهاية لها"، معتبرة سحب العراق إنجازًا سياسيًا. على عكس ولايته الأولى، حين أكد الرئيس على ديون العراق للولايات المتحدة مقابل التدخل العسكري، تبدو الأولويات الحالية مركزة في أماكن أخرى—كالرسوم الجمركية، والهجرة، وغيرها من القضايا التي أصبحت في الصدارة.
يؤكد جويل وينج، مؤلف مدونة تحليلية واسعة الانتشار حول الشؤون العراقية، على هذا التحول: “يعكس الانسحاب الحالي أولويات إدارة ترامب التي لا تشمل العراق كقضية مركزية.” وهذا يمثل خروجًا عن السياسات السابقة التي كانت تركز على ردع النفوذ الإيراني في العراق.
عامل الحشد: محفز قسري
عنصر حاسم ولكنه غير مبلّغ عنه بشكل كافٍ أدى إلى تسريع الجدول الزمني: النزاع حول قانون هيئة الحشد الشعبي، المعروف محليًا بقانون الحشد. عارضت واشنطن بشدة هذا التشريع، محذرة من أنه سيؤسس لـ"توطين النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة" داخل الهيكل العسكري الرسمي للعراق. زادت وزارة الخارجية الضغط من خلال التهديد بسحب كامل مبكر إذا استمرت بغداد في المضي قدمًا في القانون.
وقد كان لهذا الأمر أثر حاسم. سحب المسؤولون العراقيون مشروع القانون في أواخر أغسطس، مبررين ذلك بالضغط الأمريكي الخارجي والخلافات الداخلية. يصف لقف غفوري، محلل سياسي عراقي، هذه السلسلة من الأحداث بأنها نجاح واشنطن في استغلال تهديدات الانسحاب لإعادة تشكيل السياسة العراقية، مشيرًا إلى أن الانسحاب الحالي هو مجرد “هدوء قبل العاصفة”—مؤقت قبل أن تظهر تقلبات إقليمية أعمق.
ما يبقى غير مؤكد: سؤال ما بعد 2026
الشكوك الحاسمة تدور حول ما يحدث بعد نهاية سبتمبر 2026 الرسمية. يتوقع العديد من المحللين أن يظل وجود عسكري أمريكي متبقي في كردستان، خاصة في مطار أربيل الدولي. تشير خطط الجيش الأمريكي لتوسيع ممرات هبوط الطائرات المروحية في المطار إلى توقعات مؤسسية بتمديد الالتزام على المدى الطويل بعد الموعد المحدد.
يذكر صالح أن “عوامل مختلفة” ستحدد مستويات القوات الفعلية: تفضيلات الحكومة العراقية، التطورات الإقليمية، والتهديدات المستمرة من قوات الحشد المدعومة من إيران. قد تفضل إطار التنسيق—تحالف سياسي يهيمن عليه الشيعة—الاحتفاظ ببعض الوجود الأمريكي كتعادل ضد نفوذ طهران وتهديدات أمنية داخل بغداد.
حسابات إيران: الورقة الرابحة الإقليمية
أي نقاش حول مستقبل العراق يركز بالضرورة على مصالح إيران. سحب كامل للقوات الأمريكية سيقلل من القيود الاستراتيجية على طهران في وقت تواجه فيه ضغطًا عسكريًا وعزلة اقتصادية. يحذر غفوري بصراحة: “سحب الولايات المتحدة سيمنح إيران فرصة مثالية لإعادة تأكيد نفسها من خلال موارد العراق ونظامه المالي، مستخدمة بغداد كطريق حياة لإعادة بناء القدرات العسكرية والنفوذ الإقليمي.”
يمتد هذا الخطر إلى ما هو أبعد من القلق النظري. أظهرت تداعيات الانسحاب في 2011 مدى سرعة ملء الفراغات الأمنية—أولًا بواسطة وكلاء إيران، ثم بواسطة جماعات مسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. سواء كان تنظيم الدولة يشكل تهديدًا مماثلاً اليوم لا يزال موضع نقاش، على الرغم من أن بعض المحللين يقترحون أن التنظيم، رغم ضعفه الشديد، يحتفظ بإمكانات للانتعاش إذا اختفت دعم مكافحة الإرهاب الأمريكي تمامًا.
سابقة 2011: التاريخ كتحذير
يشير كل من صالح وغفوري إلى انسحاب 2011 كنموذج تحذيري. ذلك الانسحاب الكامل سبق توسع تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على بغداد تقريبًا. يربط المحللان بين ذلك والمشاكل التي تواجه العراق اليوم، خاصة مع تغير البيئة الإقليمية. فالسوريا—التي تسيطر عليها الآن حكومة سنية—تقدم ديناميكيات مختلفة عن تلك قبل عقد من الزمن، في حين أن النفوذ الإيراني تعمق بشكل كبير.
ويخشى غفوري بشكل خاص أن يكون العراق يعيد تكرار أنماط سياسية من 2011، حيث استغل رئيس الوزراء المالكي الانسحاب الأمريكي كوسيلة قومية، مع تمكين التمركز الطائفي. ويبدو أن إطار التنسيق اليوم يسعى لتبني استراتيجيات مماثلة—ضمان نصر سياسي من خلال التوافق مع مطالب واشنطن، مع احتمال تقويض الاستقرار على المدى الطويل.
سؤال المدة في العراق: كم من الوقت لا يزال؟
السؤال الأساسي حول مدة بقاء أمريكا في العراق لا يزال غير محسوم. تشير التصريحات العامة إلى نهاية محددة، لكن مؤشرات متعددة—من بناء ممرات هبوط الطائرات المروحية إلى نشر المدربين خارج حسابات الانسحاب الرسمية—تدل على أن السرد يختلف عن الواقع العملياتي. بالنسبة للعراق، يخلق الغموض حالة من الشلل الاستراتيجي: لا يتوافق تمامًا مع مصالح إيران ولا يضمنه التزام أمريكي، ويواجه بغداد وضعًا وسطًا هشًا.
يختتم وينج بأن المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تمثل الموقع الأكثر احتمالًا لبقاء عسكري أمريكي مستدام، حيث ترحب السلطات الكردية بالقوات الأمريكية كحماية ضد الضغوط التي تمارسها بغداد. هذا التفكك الإقليمي ذاته يعكس مدى عدم اكتمال أي انسحاب، مع احتمال استضافة أجزاء مختلفة من العراق لمستويات مختلفة من التواجد الأمريكي إلى أجل غير مسمى.
شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
ما الذي يكمن وراء تسريع واشنطن لسحب قواتها من العراق؟ المحللون يشيرون إلى عدة طبقات
وتيرة إدارة ترامب غير المتوقعة في سحب القوات الأمريكية من القواعد العراقية فاجأت المراقبين الإقليميين. بدلاً من الالتزام بالجدول الزمني المعلن علنًا في سبتمبر 2025 لإنهاء العمليات في محافظات العراق الفيدرالي، تسارع الانسحاب بشكل كبير في أواخر أغسطس، مما دفع المسؤولين العسكريين العراقيين للتعبير عن دهشتهم من السرعة. هذا التسارع يثير أسئلة حاسمة حول ما الذي يدفع واشنطن للتحول في التزامها العسكري تجاه العراق—وما الذي سيأتي بعد ذلك للقوات الأمريكية التي لا تزال متمركزة في جميع أنحاء البلاد.
إطار الانتقال ذو المرحلتين
تتبع الوجود العسكري الأمريكي في العراق خطة انتقال من مرحلتين أُعلنت في سبتمبر 2024. المرحلة الأولى، التي اكتملت قبل الموعد المحدد، تضمنت الانسحاب من قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة فيكتوريا في بغداد. المرحلة الثانية تمتد حتى سبتمبر 2026، وتشمل توسيع الوجود الأمريكي في إقليم كردستان المستقل، حيث يهدف المستشارون الأمريكيون إلى الحفاظ على عمليات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية التي تمتد إلى سوريا المجاورة.
ومع ذلك، يعتقد العديد من المحللين أن الجدول الزمني العام يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا حول مدة بقاء القوات الأمريكية فعليًا. محمد أ. صالح، محلل كبير يتابع السياسات العسكرية، يقترح أن موعد سبتمبر 2026 يمثل “انتقالًا علنيًا كاملًا” قد لا يتحقق بشكل كامل. بدلاً من ذلك، قد تستمر القوات المتبقية تحت مسميات عملياتية مختلفة، خاصة المدربين والمستشارين الذين يخرجون عن حسابات الانسحاب الرسمية.
الحساب السياسي: أولويات ترامب المتغيرة
فهم هذا الجدول الزمني المسرع يتطلب فحص السياسة الداخلية الأمريكية. لقد خاضت إدارة ترامب حملات مستمرة لإنهاء ما تصفه بـ"حروب لا نهاية لها"، معتبرة سحب العراق إنجازًا سياسيًا. على عكس ولايته الأولى، حين أكد الرئيس على ديون العراق للولايات المتحدة مقابل التدخل العسكري، تبدو الأولويات الحالية مركزة في أماكن أخرى—كالرسوم الجمركية، والهجرة، وغيرها من القضايا التي أصبحت في الصدارة.
يؤكد جويل وينج، مؤلف مدونة تحليلية واسعة الانتشار حول الشؤون العراقية، على هذا التحول: “يعكس الانسحاب الحالي أولويات إدارة ترامب التي لا تشمل العراق كقضية مركزية.” وهذا يمثل خروجًا عن السياسات السابقة التي كانت تركز على ردع النفوذ الإيراني في العراق.
عامل الحشد: محفز قسري
عنصر حاسم ولكنه غير مبلّغ عنه بشكل كافٍ أدى إلى تسريع الجدول الزمني: النزاع حول قانون هيئة الحشد الشعبي، المعروف محليًا بقانون الحشد. عارضت واشنطن بشدة هذا التشريع، محذرة من أنه سيؤسس لـ"توطين النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة" داخل الهيكل العسكري الرسمي للعراق. زادت وزارة الخارجية الضغط من خلال التهديد بسحب كامل مبكر إذا استمرت بغداد في المضي قدمًا في القانون.
وقد كان لهذا الأمر أثر حاسم. سحب المسؤولون العراقيون مشروع القانون في أواخر أغسطس، مبررين ذلك بالضغط الأمريكي الخارجي والخلافات الداخلية. يصف لقف غفوري، محلل سياسي عراقي، هذه السلسلة من الأحداث بأنها نجاح واشنطن في استغلال تهديدات الانسحاب لإعادة تشكيل السياسة العراقية، مشيرًا إلى أن الانسحاب الحالي هو مجرد “هدوء قبل العاصفة”—مؤقت قبل أن تظهر تقلبات إقليمية أعمق.
ما يبقى غير مؤكد: سؤال ما بعد 2026
الشكوك الحاسمة تدور حول ما يحدث بعد نهاية سبتمبر 2026 الرسمية. يتوقع العديد من المحللين أن يظل وجود عسكري أمريكي متبقي في كردستان، خاصة في مطار أربيل الدولي. تشير خطط الجيش الأمريكي لتوسيع ممرات هبوط الطائرات المروحية في المطار إلى توقعات مؤسسية بتمديد الالتزام على المدى الطويل بعد الموعد المحدد.
يذكر صالح أن “عوامل مختلفة” ستحدد مستويات القوات الفعلية: تفضيلات الحكومة العراقية، التطورات الإقليمية، والتهديدات المستمرة من قوات الحشد المدعومة من إيران. قد تفضل إطار التنسيق—تحالف سياسي يهيمن عليه الشيعة—الاحتفاظ ببعض الوجود الأمريكي كتعادل ضد نفوذ طهران وتهديدات أمنية داخل بغداد.
حسابات إيران: الورقة الرابحة الإقليمية
أي نقاش حول مستقبل العراق يركز بالضرورة على مصالح إيران. سحب كامل للقوات الأمريكية سيقلل من القيود الاستراتيجية على طهران في وقت تواجه فيه ضغطًا عسكريًا وعزلة اقتصادية. يحذر غفوري بصراحة: “سحب الولايات المتحدة سيمنح إيران فرصة مثالية لإعادة تأكيد نفسها من خلال موارد العراق ونظامه المالي، مستخدمة بغداد كطريق حياة لإعادة بناء القدرات العسكرية والنفوذ الإقليمي.”
يمتد هذا الخطر إلى ما هو أبعد من القلق النظري. أظهرت تداعيات الانسحاب في 2011 مدى سرعة ملء الفراغات الأمنية—أولًا بواسطة وكلاء إيران، ثم بواسطة جماعات مسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. سواء كان تنظيم الدولة يشكل تهديدًا مماثلاً اليوم لا يزال موضع نقاش، على الرغم من أن بعض المحللين يقترحون أن التنظيم، رغم ضعفه الشديد، يحتفظ بإمكانات للانتعاش إذا اختفت دعم مكافحة الإرهاب الأمريكي تمامًا.
سابقة 2011: التاريخ كتحذير
يشير كل من صالح وغفوري إلى انسحاب 2011 كنموذج تحذيري. ذلك الانسحاب الكامل سبق توسع تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على بغداد تقريبًا. يربط المحللان بين ذلك والمشاكل التي تواجه العراق اليوم، خاصة مع تغير البيئة الإقليمية. فالسوريا—التي تسيطر عليها الآن حكومة سنية—تقدم ديناميكيات مختلفة عن تلك قبل عقد من الزمن، في حين أن النفوذ الإيراني تعمق بشكل كبير.
ويخشى غفوري بشكل خاص أن يكون العراق يعيد تكرار أنماط سياسية من 2011، حيث استغل رئيس الوزراء المالكي الانسحاب الأمريكي كوسيلة قومية، مع تمكين التمركز الطائفي. ويبدو أن إطار التنسيق اليوم يسعى لتبني استراتيجيات مماثلة—ضمان نصر سياسي من خلال التوافق مع مطالب واشنطن، مع احتمال تقويض الاستقرار على المدى الطويل.
سؤال المدة في العراق: كم من الوقت لا يزال؟
السؤال الأساسي حول مدة بقاء أمريكا في العراق لا يزال غير محسوم. تشير التصريحات العامة إلى نهاية محددة، لكن مؤشرات متعددة—من بناء ممرات هبوط الطائرات المروحية إلى نشر المدربين خارج حسابات الانسحاب الرسمية—تدل على أن السرد يختلف عن الواقع العملياتي. بالنسبة للعراق، يخلق الغموض حالة من الشلل الاستراتيجي: لا يتوافق تمامًا مع مصالح إيران ولا يضمنه التزام أمريكي، ويواجه بغداد وضعًا وسطًا هشًا.
يختتم وينج بأن المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تمثل الموقع الأكثر احتمالًا لبقاء عسكري أمريكي مستدام، حيث ترحب السلطات الكردية بالقوات الأمريكية كحماية ضد الضغوط التي تمارسها بغداد. هذا التفكك الإقليمي ذاته يعكس مدى عدم اكتمال أي انسحاب، مع احتمال استضافة أجزاء مختلفة من العراق لمستويات مختلفة من التواجد الأمريكي إلى أجل غير مسمى.